العنوان |
أبو خشبة |
---|---|
المؤلف |
عماد سالم |
حجم الملفات |
13.95 ميجا بايت |
اللغة |
العربية |
نوع الملفات |
|
الصفحات |
242 |
حين تتحول العائلة إلى معادل موضوعى للمجتمع قراءة فى رواية (أبو خشبة) للروائى (عماد سالم) للكاتب والناقد / السيد حسن الفن الروائى هو ذلك الفن المدهش القادر على أن يعبر عن الأفكار والرؤى والفلسفات فى حياة كاملة على الورق عبر شخصيات من دم ولحم ومعاناة، والروائى المتمكن هو ذلك القادر على أن يحتفظ لشخصياته بحيواتها، وألا يجعل أفكاره أو فلسفاته أو رؤاه تحيل هذه الشخصيات إلى عرائس ماريونيت يحركها هو كيفما يحب وقتما يحب، بل تختار هذه الشخصيات أفعالها ومصائرها وفقاً لتكوينها النفسى والعقلى وشبكة العلاقات الاجتماعية التى تحيط بها، دون أن ينال ذلك من سطوع رؤية الكاتب أو فلسفته أو الموقف الذى أراد لعمله الروائى أن يعبر عنه، وعلى قدر ما يكون نجاح العمل الروائى فى الوصول إلى نقطة التوازن ما بين احتفاظ الشخصيات بحيواتها واحتفاظ الرواية بقدرتها على طرح رؤية مؤلفها، يكون نجاح العمل الروائى وتكون مكانته فى السياق التاريخى للرواية بصفة عامة. والحقيقة أن رواية أبو خشبة للكاتب الروائى عماد سالم تمثل محاولة شديدة التميز فى محاولة الوصول إلى نقطة التوازن المنشودة تلك، فنحن أمام أسرة مصرية ريفية صغيرة (عائلة أبو خشبة) تمثل معادلاً موضوعياً للمجتمع المصرى الكبير، بمختلف تياراته ومذاهبه الفكرية والسياسية وحتى الدينية: فالأب هو ذلك الرجل العصامى الذى بنى نفسه بنفسه فى نظر البعض والذى أسس ثروته على أساس تجارة الآثار فى حقيقة الأمر، وهو ذلك الرجل الذى تمنى على الله أن يرزقه الذكور دون الإناث، هرباً من العار الذى يمكن أن يجلبه إنجاب الإناث، وزاد فى أمنيته، بأن دعا الله أن يعجل بوفاة أية ابنة يرزقه إياها، فكان تحقيق هذه الأمنية مأساته الإنسانية الكبرى التى تعذب بها مرة بعد مرة، ليعلم أن الإنسان يدعو بالشر دعاءه بالخير، ولا يدرك أن تحقيق دعائه يمكن أن يكون سر عذابه. أما الأبناء الذكور فهم: خالد أبو خشبة، تاجر الغلال الذى ظل مع أبيه فى قريتهم (العلاقمة)، والذى لا علاقة له بالسياسة غير أنه يحب ذلك النائب الإخوانى الذى نجح ضمن ثمانية وثمانين نائباً آخر ليتأكد من صدق نظرية أبيه من نزاهة الحزب الوطنى وسماحه لهؤلاء بأن ينجحوا على الرغم من معرفته بهم وقدرته على قهرهم. عادل أبو خشبة، الذى عمل مذيعاً فى قناة الجزيرة ولم يكن يهمه إلا النجاح واللمعان والبريق وما يأتى به ذلك من متع دنيوية جامحة. طارق أبو خشبة، رجل الصلاح أمام العامة ورجل الفسق فى حياته الخاصة ولاسيما بينه وبين مديرة مكتبه ، ذلك المحامى الذى تشبه بالسلفيين فى كل شىء لأنه رأى فى ذلك طريقا للنجاح فى العمل وفى الحياة. عبد السلام الشاعر طالب الآداب الذى يبدو منغمساً حتى أذنيه فى الفكر الماركسى، مطالباً بالعدالة الاجتماعية، بالمفهوم الذى تطرحه الشيوعية. خليل أبو خشبة، رجل الأعمال الذى اختار له أبوه مجال تجارة السيارات، وافتتح له معرضاً فى قلب شارع جامعة الدول العربية، فكان باباً رحباً يؤمن له شغفه الخاص بالمخدرات التى سوف تنتهى قصته معها إلى كارثة مدوية. علاء أبو خشبة، الطبيب المعرض عن الزواج والذى جعل من عيادته مقراً لمتعه الخاصة التى يتصيد من أجلها النساء من الشارع، حتى انتهى به الأمر إلى فضيحة كارثية. وهكذا تبدو الرواية وكأنها تستعرض شرائح من التيارات المختلفة السائدة فى المجتمع المصرى فى الربع الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادى والعشرين، فالأب منحاز للحزب الوطنى وخالد متعاطف مع الإخوان المسلمين، وطارق متداخل مع السلفيين، وعبد السلام منخرط ضمن الشيوعيين، وخليل ضمن طبقة رجال الأعمال، وعلاء وعادل ضمن أصحاب المهن المتميزة فى المجتمع المصرى. والكاتب فى استعراضه هذا، يكشف عن الازدواجية والتناقض اللذين ينخران فى بنيان معظم الشخصيات كل على حدة، ثم فى البناء الاجتماعى كله. والحقيقة أن عماد سالم نجح فى إدارة شبكة الأحداث بمهارة بحيث تداخلت خطوط الشخصيات وحيواتها، تداخلاً مأساوياً، أفضى بالجميع إلى كارثة اجتماعية أصابت بيت أبو خشبة من أساسه لينهدم البيت على بانيه وساكنيه، وكأنه يطرح فكرة مؤداها أن بناءً اجتماعياً قام على أساس ضعيف منحرف، لا يمكن إلا أن ينقض على أطرافه جميعاً، ولا سيما حين يكون هذا البناء قائماً على فكرة النفاق المجتمعى، فلا السلفى سلفى حقاً، ولا العصامى عصامى حقاً، ولا الطبيب طبيب حقاً، ولا بقية الشخصيات تؤمن إيماناً حقيقياُ بما تفعل، حتى عبد السلام الذى يؤمن بما يفعل، تكون المفارقة أنه الوحيد الذى لا يؤمن، فقد انتهت به ماركسيته وشيوعيته إلى المجاهرة بإلحاده على شاشات التليفزيون ليكون مصيره القتل على أيدى السلفيين الذين أحاطوا بمدينة الإنتاج الإعلامى ليلقى هو وصديقه حتفهما رجماً بحجارة الغاضبين. والحقيقة أن الرواية تطرح عدداً من القضايا المهمة على مستوى الفن الروائى من ناحية وعلى مستوى المضمون الاجتماعى من ناحية أخرى: أولى هذه القضايا تتعلق بالبعد المأساوى الذى تجسد فى الدعاء الذى دعا به أبو خشبة بأن يرزق البنين وأن يقبض الله البنات اللواتى يرزق بهن، فهذا البعد المأساوى يذكرنا بالمآسى اليونانية القديمة القائمة على مفهوم الوعد أو النبوءة كما هو الحال فى مأساة أوديب وغيرها من كلاسيكيات الأدب اليونانى القديم. ثانية هذه القضايا تتعلق بمذهب الواقعية التسجيلية الذى ينتهجه عماد سالم فى هذه الرواية كما هو الحال فى رواياته الأخرى وأبرزها رواية ليزا حيث نجد أحداثاً تقتطع من الواقع بتفصيلاتها وشخصياتها لتدخل إلى العالم الروائى حاملة حتى أسماء أصحابها، على نحو ما نجد فى مواقف أحمد عز ولجنة السياسات وحركة كفاية على المستوى السياسى العام، أو وقائع ما يجرى فى دار الأدباء على مستوى النشاط الأدبى ذى الدائرة الضيقة. ثالثة هذه القضايا تتعلق بعرض جوانب ذات خصوصية من حياة المجتمع المصرى وثقافته الشعبية على نحو ما نرى من استعراض وقائع مولد الشاب التايب الذى اتخذها المؤلف مسرحاً لاختطاف الطفل خشبة ثم قتله بعد ذلك. رابعة القضايا تتعلق بالنفس الرومانسى الذى لم تخل منه الرواية سواء فى قصة حب أحمد أبو خشبة لـ سعدية أو حتى فى رسم ملامح شخصية الفتى خشبة الملىء بالسمات الرومانسية، هذه الشخصية التى يعرض من خلالها الكاتب لأزمة نفسية حادة يعيشها الفتى الصغير جراء تمييز أسرته له عن بقية الفتيان من حوله من ناحية، وما يسببه له اسم (خشبة) من حرج من ناحية أخرى، وتفضى به محاولته لكسر هذا المأزق النفسى إلى أن يقع فى براثن الاختطاف ثم القتل. خامسة القضايا التى تطرحها هذه الرواية، والتى أراها واحدة من أهم قضايا الرواية، تتمثل فى المفاجأة التى أعدها لنا المؤلف فى الفصل الأخير من عمله الروائى، والذى أطلق عليه عنوان وهديناه النجدين… ففى هذا الفصل يعود بنا المؤلف إلى نقطة بداية الأحداث تماماً فنرى والد أحمد أبو خشبة وهو يُقتل بين يدى ابنه فى قضية ثأر قديم، ثم ينصح ابنه بأن يهرب بعد أن يحصل على الكنز الذى ادخره له، والذى يتمثل فى بعض الأموال وبعض قطع الآثار، فيكون قرار الابن هو أن يأخذ المال فهو ميراثه الشرعى وأن يسلم الآثار للحكومة، فيبرأ من المال الحرام. وكأن الكاتب يقول لنا فى مفاجأة مدوية: لقد كانت كل الأحداث السابقة قد بنيت على نقطة بداية منحرفة تمثلت فى استيلاء أحمد على الآثار وبيعها، فماذا لو بدأت البداية المستقيمة، وكأنه يدعونا نحن إلى أن نقيم بناءً روائياً بديلاً، اعتماداً على ثنائية الخير والشر. لكنه وهو يفعل ذلك لم يلجأ للحيل الفنية المألوفة الساذجة التى تعتمد على أن يخبرنا بأن ما قصه كله كان حلماً أو محض خيال، لكنه آثر أن يلجأ إلى بديل ذى ملمح ملحمى بريختى فيخرج بنا من تقمصنا الوجدانى لأحداث الرواية ليقول لنا تعالوا نتخيل بداية مختلفة للأحداث، ثم ابنوا أنتم بأنفسكم البناء الروائى كله. وبعد فإن رواية (أبو خشبة) للكاتب الروائى عماد سالم تظل ملأى بالقضايا الشكلية والمضمونية التى على القارىء أن يكتشفها بذاته عبر قراءة واعية هادئة متأملة.
العنوان |
أبو خشبة |
---|---|
المؤلف |
عماد سالم |
حجم الملفات |
13.95 ميجا بايت |
اللغة |
العربية |
نوع الملفات |
|
الصفحات |
242 |