المؤلف |
الفارابي |
---|
تطرح مساهمتنا في العالمية طرحا خاطئاً عندما نقيسها على مساهمة أجدادنا. فرق بين أن نفترض فكرا شموليا عالميا فنتساءل عن ماذا كانت مساهمتنا فيه؟ وما هي الآن؟ وكيف ينبغي أن تكون؟ وبين أن نقول إن العالمية تاريخا، وإن الفكر أصبح ولأول مرة، بفضل سيادة التقنية فكرا كونيا، وهذا لا لافتراض كونية ميتافيزيقية وفكر شمولي، وإنما للتغير الذي لحق مفهوم الوجود ذاته، بفضل اكتساح التقنية، فأصاب تبعا لذلك مفهوم العالم، بل ومفهوم الفكر. لا يتعلق الأمر إذن بفكر شمولي وكيان ميتافيزيقي. لكن الأهم من ذلك أن الأمر لا يتعلق بفكر يخص حضارة دون غيرها، أو قسما من الإنسانية دون غيره. فلا يعني الفكر الكوني هنا ما درجنا على تسميته فكراً غربيا. الكوني المقصود هنا عصر من عصور العالم، وشكل من أشكال الحقيقة، وهو لا يحيل لأي معنى عرقي أو جغرافي أو قومي. إن الكونية المقصودة هنا لا هوية، وربما كانت اليوم هي ما يحدد كل هوية. لا سبيل إذن لافتراض مفهوم مطلق هم الخصوصية، ولا معنى للأصالة إلا في إطار هذا الفكر الكوني، وليس هناك ولن يكون فكر أصيل، كل ما هناك هو كيفيات أصيلة للمشاركة في العالمية والمساهمة في الفكر الكوني، ومجاوزة التقنية من حيث هي اكتمال للميتافيزيقا. لذلك فإن كل سؤال فلسفي لا مفر له اليوم من أن يجد نفسه منخرطا في هذه الكونية، ولابد من أن يطرح على الفكر بما هو فكر كوني، وعندما أعلن فوكو، في درسه الافتتاحي أنت عصرنا محاولة الانفلات من قبضة هيجل. فهو لم يعمل في الحقيقة إلا على بلورة إشكالية الفكر الفلسفي المعاصر ذلك أن هيجل المقصود هنا هو الفيلسوف الذي اكتملت عنده الميتافيزيقا ومن هنا يصبح هم الفلسفة بعده هو محاولة الانفلات من الميتافيزيقا ومجاوزتها. الحديث عن أصول الفكر الفلسفي المعاصر إذن هو أساسا حديث عن الأصول الفلسفية لهذه الإشكالية، وقيام بجنيالوجيا الميتافيزيقا لرصد مختلف المفاهيم الأساسية التي يحاول الفكر المعاصر أن يخلخلها بغية الانفلات من قبضة هيجل ومجاوزة الفلسفة.
المؤلف |
الفارابي |
---|