الإشارات الإلهية

أيها الصاحب بالجنب، والسامع بالأذن دون القلب! ها أنا قد أعذرتُ إليكَ فيما أوردتُ عليك، وإن كنت علي بعض ما لا أرضاه منك، ولا أحبه لك، فإن علمت أني قد نصحت لك، وأمكنتك من حظك، فتقبل قولي، صرْ إلي رأيي، واعمل بمشورتي، فلعلي أسعد بك إذا سعدت بي!! في هذا السياق نجد أبا حيان قد خص التصوف بجهد فكري متميز، إذ كتب فيه عدداً من الكتب عددّ ياقوت منها عناويناً ومنها كتاب الإشارات الإلهية الذي نقلب صفحاته، وهو يقع بحسب قول ياقوت، في جزئين، لم يصل منهما سوى الأول، وقسم في الثاني أي ما بلغ 54 رسالة وملخصات من عشرة أخرى، وتعتمد الرسائل حجمها بناءً متشابهاً في التركيب الأصلي، يقوم على ركنين أساسيين هما: المناجاة (أو الدعاء) ومخاطبة شخص ما، والرسالة غالباً ما تبدأ بالدعاء، وتنتهي بالدعاء، وتتراوح فيما بينها من الخطاب والدعاء وأغراض أخرى، أبرزها شكوى الحال والزمان، وفي حوالي ثلثي الأحوال تنتهي بعبارة يا ذا الجلال والإكرام. والغالبية العظمى من الرسائل تتوجه إلى مريد لم يمعن في سلوك الطريق بعد، أو إلى رجل يراد له أن يجد في التصوف طريقاً إلى الهداية والنجاة، ولذا تزخر الرسائل بالنصائح إلى ذلك المخاطب لحمله على ترك الدنيا والإعراض عما فيها من شهوات ورغبات، والأخذ بالفضائل التي يحث عليها الدين ويتطلبها الخلق القويم، ويبني أبو حيان خطابه لهذا المخاطب على فقرات متناثرة دونما نظام معين ضمن الرسالة الواحدة، وأكثر ما يبدأ تلك الفقرات بعبارة المناداة يا هذا، وفي أحيان قليلة يناديه بـأيها الإنسان أو بعبارة يا أخي. وقد ناداه مرة بعبارة يا سيدي، وتتفاوت صور النداء بتفاوت الموقف النفسي، بين المؤلف وصاحبه، وتبعاً للتفاوت في الحالات النفسية يتراوح حديث أبي حيان نفسه بين اللين والشدة، وفي هذا يمكن القول بأنه لا يعدم للمرء أن يستشف في كتاب الإشارات معلومات تتصل بأبي حيان نفسه، فهذا الكتاب مكمّل لفهم الأوضاع الاجتماعية والنفسية التي عاشها، وليس فحسب صورة من صور أسلوبه الصوفي الرائع.

رمز المنتج: bk1801 التصنيفات: , الوسم:
شارك الكتاب مع الآخرين

بيانات الكتاب

المؤلف

أبي حيان التوحيدي

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “الإشارات الإلهية”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *