الحب و الظلال

تعبر إيزابيل الليندي عن كتاباتها قائلة: ‘أكتب لأتداوى’…وأنا أسير خلف كتاباتها من منطلق: ‘أقرأ لأتداوى’.فهي الوحيدة القادرة في كل قراءة لها على أن تخرجني من عالمي إلى عالمها، بل عوالمها التي تنسجها ببراعة فائقة تسطر فيها لحكايات تلقي عليها ظلالا من الواقعية السحرية مغلفة بالحب، وإن كانت تنسجها في جوّ بالغ القسوة.أهيئ نفسي قبل القراءة لإيزابيل لاستيعاب ذلك الكم الهائل من التفاصيل والأسماء المتشابكة فيما بينهما بخطوط متقاطعة ومتوازية…وأكتب مخططا للأسماء التي مرت بي خلال القراءة…فهكذا سأكون بكامل وعيي لاستيعاب من غاب من شخوصها عن الأحداث ليعود ثانية…والتي تمنح إيزابيل بعضها استراحة المحارب قبل أن تعود للواجهة ثانية وبقوة.وظلال إيزابيل هذه المرة…تدور أحداثها في دولة من دول أمريكا اللاتينية، وتبنيها على واقعة حقيقية حصلت في بلدة لونكين، على بعد 60 كيلو متر من العاصمة التشيلية سنتياغو، حيث تم اكتشاف مدفن سري في منجم مهجور، أخفى فيه رجال الدرك جثث خمسة عشر فلاحا من أهالي المنطقة.تنسج إيزابيل قصة حب خلف تلك الظلال القاتمة، لتمدنا بالأمل، وتؤكد على المشاعر الإنسانية الراقية التي لا يزلزلها ظلم، ولا تمحو وجودها تعقيدات الواقع. فلا تنسى إيزابيل وهي تتحدث عن الحرية والعدالة، أن تذكرنا بإنسانيتنا، وما جبلنا عليه من خير وحب مقابل الشر الذي قد يصل ببعض البشر إلى التفوق على الشيطان بنفسه. الحكاية الرئيسة في الرواية تدور حول الصحفية أيرين التي تعمل في مجلة نسائية، وتلتقي بفرانثيسكو الطبيب النفسي الذي ترك مجال تخصصه بحثا عن مصدر دخل أوفر، أيرين وفرانثيسكو يعملان معا في عدة تحقيقات صحفية، ليجدا نفسيهما في مواجهة قصة غريبة لفتاة لها قدرات سحريّة، ويتورطان في البحث عنها بعدما فقد أثرها بعد اعتقالها للتحقيق معها في مركز للشرطة…ليكشفا عن الكثير من الفساد العسكري من خلال تلك الحادثة. ولكن كعادة إيزابيل تدخلنا عوالم مختلفة قبل أن يتقاطع شخوصها في بؤرة حدث يجمعهم…وهنا أدخلتنا عوالم ثلاث أسر…وفي كل مرة تبدأ الحديث عنهم بالمرأة التي تلبسها رداء من القوة والاستقلالية…بياتريس، دينغا رانكيليو، وهيلدا…وفي النهاية بطلة روايتها أيرين. وكما قلت سابقا في أغلب مراجعاتي لروايات إيزابيل…أنها تحب المرأة القوية الباحثة عن مكان لها ودور في المجتمع، وكأنها تبعث فيها شيئا من شخصيتها، وتظهر في كل رواية وشخصية جزءا من حقيقتها…على الرغم من تنوع شخصياتها النسائية في كل رواية من رواياتها. هي قصة من الممكن أن تحدث في أي مكان من العالم، ولا نستثني منها عالمنا العربي، الذي يغص بمثل تلك الحكايات…والتي رغم ألمها تمدنا بالحياة. تقول إيزابيل: “لا أعتقد أننا نحيا على ظهر هذا الكوكب لكي نكون سعداء. إن المرء لا يتعلم شيئا وهو سعيد. الألم وحده يمدنا بالوجود الحقيقي، الذي يساعدنا على النمو وتفهم الأشخاص وكيف تجري الأمور في هذا العالم. لو كان المرء سعيدا طيلة حياته فلن يعيش سوى في عالم واحد ولن يحقق أي تقدم.’رواية مؤثرة مليئة بالأحداث والتشويق، تكاد تقترب في بعض أجزائها من الروايات البوليسية…مغلفة بالكثير من الألم والظلم والقسوة والديكتاتورية، وكذلك بالحب والبحث عن الحريّة…والترجمة للرائع المبدع صالح علماني الغني عن التعريف. ذهبت نجمة للغموض الذي اكتنف بعض الأحداث مثل حياة فرانثيسكو السريّة والتي لم يظهر الجانب الواضح منها إلا في نهاية الرواية، وللنهايات المفتوحة لبعض الحكايات في الرواية…وكانت ستختفي نجمة لعدم توافق أفكاري مع أفكارها، ولكنني توقفت في اللحظات الأخيرة، فلن أحاكم أفكارها التي نبعت من أيدولوجية مختلفة، وأنا أعيها تماما.

رمز المنتج: bm4u6880 التصنيفات: , الوسم:
شارك الكتاب مع الآخرين

بيانات الكتاب

العنوان

الحب و الظلال

المؤلف

إيزابيل الليندي

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “الحب و الظلال”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *