الكهانة العربية قبل الأسلام

هذا الكتاب في حقيقته دراسة جامعية موسعة للبروفيسور اللبناني توفيق فهد (1923 – 2009 ) مدير كلية اللغات والعلوم الشرقية قسم الدروس العربية والإسلامية في جامعة ستراسبورغ للعلوم الإنسانية – فرنسا- وكانت نواتها دراسة عن تفسير الاحلام في الشرق الاوسط ثم امدها الكاتب لتغطي ميدان الكهانة السامية والحفر في العوالم الماورائية العربية والغوص بين مواريثها في بلاد الرافدين وحواليها من التخوم الآرامية والعبرانية. لذا فمن الممكن القول: ان هذا الكتاب يضم بين دفتيه قسمين مكملين لبعضهما، الكهانة والاحلام، بل ان الاحلام رافد متدفق لديمومة الكهانة وازدهارها، واكتسبت الحالومة قيمة كهانية مهمة، ( والحالومة هي النوم داخل المعبد للحصول على جواب من الاله باداء بعض الشعائر، وتتدفق الاجابة بصورة حلم يرويه الكاهن حال استيقاظه ) فهنا تكون الاحلام وسيلة للاتصال بالمطلق وهي غاية صعبت عند الساميين عموما فغدت الكهانة عندهم تعني التكفل بمشقة التكهن بتقدير مشيئة الاله، والكاهن هو من يحمل على عاتقه تلك المهمة الرهيبة في طرح الاسئلة على الاله و ( ان صرامة مبدأ التعالي الألهي في العقل السامي خلق الحاجة الى اللجوء الى وسطاء مؤهلين للقيام الى حد ما بتقليص الفجوة الهائلة التي تفصل الارض عن السماء والانسان عن الأله ) والوسطاء هم الانبياء والكهان والسحرة، حيث كانت الكهانة اصل النبوة، ولم يتفوق النبي على الكاهن الا بتفرده بوحدة المصدر الذي يستقي منه وصاياه بشرط الانخطاف، فيما يحدد الكاتب طبيعة العلاقة بين الكهانة والسحر بكونها علاقة ملتبسة، فأنهما تشاركان القوة السرية ذاتها الموضوعة في خدمة الدين او المقدس الذي يكون (حينا طيبا وحينا خطرا ودائما مخوفا). يشير المؤلف في اكثر من موضع الى ميزة التصقت بالعنصر السامي اكثر من غيره حتى اصبحت جزءا من تركيبته الذهنية، ولعله اهتم بالنتائج دون المقدمات حين يحيل الميل الانخطافي عند الساميين الى فطرة ، ارهقت تفكيرهم في البحث عن الخالق ومحاولة الاتصال به فيقول : (ما من شعب على الاطلاق في العصور القديمة كان شديد الانشغال بالتعرف على وجه الاله وبسبر فكره وتلبية رغائبه وعلى الاخص تحاشي غضبه مثل الشعب السامي) ، بيد ان توفيق فهد لم يعلل لنا سر هذا الانشغال بالماورائيات عند الساميين دون غيرهم من الاقوام الاخرى .