المؤلف |
جفرى آش |
---|
لم يخطئ أرسطو حين رأى أن العقل خصيصة إنسانية غير موجودة عند الحيوان، وتوهّم الجاحظ خطأ أرسطو لأنه لم يميّز بينالعقل والذكاء. فقد رأى في كتابه «الحيوان» بعد ملاحظة بعض الحيوانات، ولا سيّما القرود، أن الحيوان يفكر ويتدرّب ويستعين بتفكيره على إشباع حاجاته، فظن ذلك عقلاً. ولكن «العقل» الذي يتميّز به الإنسان هو ملكة الإحاطة بالعالم بالفكر، خلافاً لـ «الذكاء» الذي هو القدرة على الاحتيال على العالم بالفكر. والعقل أداة الإنسان للوصول إلى الحقيقة، والمعرفة الموضوعية – أي بغضّ النظرعن رغباتي ومخاوفي – معرفة الطبيعة ومعرفة الإنسان، ومعرفة المرء للمجتمع ولنفسه؛ ومن ثم فالتفكير النقدي قدرة يختصّ بها الإنسان. والذكاء وسيلي وهو أداة للاحتيال على العالم بنجاح أكبر، أي أن أفكّر كيف أحصل على هذا وذلك، وماذا أفعل لأحصل عليه. ولدى الحيوانات ذكاء احتيالي وهو ممتاز عند بعضها وفي الاختبارات حلّت قرود الشمبانزي ألغازاً لم يستطع أن يحلها الكثيرون من الناس. والعقل إنساني في ماهيّته، والثاني ينتمي إلى الجزء الحيواني من الإنسان. وللعقل صفة الشمولية، وإذا عاش المرء في أوهام حول قطاع من قطاعات الحياة، فإن قدرته على العقل تتقيّد أو تتضرّر، وبذلك ينكبح استخدامه للعقل فيما يتّصل بكل القطاعات الأخرى. ويؤكد فروم أن «العقل في هذه الناحية مثل الحب، وكما أن الحب توجّه يشير إلى كل الموضوعات ولا يتلاءم مع قَصْره على موضوع واحد، فإن العقل ملكة يجب أن تشمل كل العالم الذي يواجهه الإنسان». وبما أن الموضوع الذي يواجهنا الآن هو «المعجزات»، فالأسئلة التي تنشأ هي: كيف نعقلها؟ وهل يقنع العقل بموقف عدم المبالاة أو بالرفض أو القبول القطعيين من دون أي دليل؟ إن من شأن ذلك أن يكون وعياً زائفاً. ما فائدة العلم الجديد في فهم هذه الأمور؟ هل يساعدنا على فهمها أم يقدّم الدليل على بطلانها؟ ويتساءل المؤلف في الفصل الثاني من هذا الكتاب: «ولكن إذا كانت للعقل أية دلالة أو قيمة في كل الأحوال، فإنها تكمن في الوصول إلى الحقيقة؛ منهجَ التفكير السليم. وإذا لم يكن منهجَ الوصول إلى الحقيقة بل كان يخطئ في أكثر الأحيان، فما فائدته؟» إن المؤلف، وهو مؤرخ بارع في التمحيص والتدقيق، يدحض حجج الدوغمائيين السلبيين، الذين يرفضون الملاحظة، إلا إذا خضعت للقياس الكمي، ويرفضون الحادثة إلا إذا أمكن حدوثها في المختبر، أو إذا كانت قابلة للتكرار المنتظم. ويقدّم الأدلّة على إمكان حدوث الحوادث غير النظامية، ويبيّن أخطاء التفكير المعوجّ ويحلّل مغالطاته المنطقية، وتزييفه للواقع. ومن جهة أخرى، يبيّن للدوغمائيين الإيجابيين، الذين يسلّمون بالكثير من المعجزات لا لخبرة عاشوها، أو ملاحظات تنبّهوا إليها، بل لخضوعهم لسلطة عقيدة قطعية ورهبتها، بأن الحوادث الغريبة الكثيرة التي يظنونها معجزات ليست كذلك، وإنما هي أنواع من الحكايات، أو خدع بارعة، أو حوادث تنطوي على أسباب ملموسة، كالإيحاء الجماعي، والتنويم المغناطيسي، والهلوسة وما إلى ذلك. وحين يُطبِق التعصّب الساذج والفهم المشترك الزائف والعلمي الكاذب على بعض الناس يتعذّر عليهم البحث في الواقع الملاحَظ. فالشرط الفكري للخوض في دراسة الإعجازي هو الابتعاد عن كلا النوعين، الإيجابي والسلبي، من الدوغمائية. ويبدأ المؤلف بتعريف المصطلحات، ويدرس اشتقاقها اللغوي، ليصل إلى معانيها الاصطلاحية. فكيف يمكن أن ينكر المرء أمراً أو يقبله من دون معرفته؟ ويتوصل في بحثه إلى أن المعجزة، بالمعنى الاصطلاحي، هي الاستثناء المقدَّر من الله، أي الذي يحدث نتيجة خرق لقوانين الطبيعة، ويكون لهذا الخرق معنى. فهل من الممكن دراسة المعجزة علمياً وإلى أي حد يمكن أن تستند إلى العلم؟
المؤلف |
جفرى آش |
---|