سر شهرزاد

في البداية شهريار كان يجسد كل ما هو سيئ، فهو رمز للحاكم الطاغية اللامسؤول والفاسد، الحاكم الذي يرى كل أفراد الشعب خدم له ولأهوائه ولشهواته، فمصلحته ومتعه الشخصية هي ما يجب أن تكون أولويات الجميع، فهو (الدولة). شهريار هو رمز اللاعقلانية، فنتيجة لحادثة رؤيته لعبد أسود في نفس الغرفة مع زوجته “بدور”، اتهم زوجته بالفجور وقتلها وقتل العبد وقرر الزواج من كل البنات العذارى في المدينة وقتلهم الواحدة تلو الأخرى، لينتقم من جنس النساء. شهريار رمز للنموذج الذكوري النمطي الذي ينظر للمرأة كجسد خلق للحفاظ على متعه ورغباته (ودينه إذا كان المتحدث يريد أن يضيف طابع ديني لما يقوله). ماذا عن شهرزاد؟ شهرزاد هي المرأة الذكية، ليست الذكية فحسب بل والشجاعة ايضا. (فما نفع الذكاء إذا كان الإنسان جبانا؟) أما سلاحها فكان فصاحة لسانها وعذوبة إسلوبها، فلم تجعل شهريار ينصت لها وحسب بل وجعلته يؤمن بحبها له ايضا. في لقائها الأول مع شهريار، استطاعت أن تفهم طبيعته البدائية وعرفت كيف تتحدث بما يشتهي هو سماعه، فأظهرت ضعفها وقلة حيلتها وتمنعها وتأثرها بطغيان سحره وفحولته، فأرضت غروره وعززت ثقته بنفسه وأثارت نزوعاته الإنتزاعية، فاشتعل وجدانه وغرق في إنبهار سحري وأفتتن شهريار بدور الأسد القادر على أسر فريسته الضعيفة. (في حين أنه هو الذي أصبح أسير شهرزاد). هنا، غرور وسادية شهريار أعمته عما يحدث، فآمن بحب شهرزاد له، فبالرغم من أنه يضع سيفه على رقبتها ويهدد بقتل والدها، إلا أنه لم ير حرجا في أن تقع شهرزاد في حبه، كيف لا وهو شهريار العظيم؟ ماذا كانت خطوة شهرزاد التالية؟ قامت بإثارة ذهنه وعقله -النائمين في ثبات عميق منذ الأزل- فقصت عليه القصص والحكايات. هل نجحت شهرزاد في جعل شهريار يحبها حقا؟ برأيي، لا ابدا. شهريار لم يرى سوى شهرزاد الراقصة وشهرزاد الراوية وشهرزاد العازفة وشهرزاد الفاتنة وشهرزاد المطربة. لم يعرف أبدا -ولم يرد أن يعرف- شهرزاد “فقط”. فشهرزاد لم تكن متواجدة ابدا مع شهريار، سوى كمصدر تسلية له في حياته البائسة. أي حب هذا الذي يؤسس على تسلية الآخر؟ في ماذا نجحت شهرزاد إذا؟ شهرزاد نجحت في شيئ واحد، هو إستخدام ذكائها لترويض الوحش بداخل شهريار والحفاظ على حياتها وحياة والدها.

رمز المنتج: bk12193 التصنيفات: , الوسم:
شارك الكتاب مع الآخرين

بيانات الكتاب

المؤلف

علي أحمد باكثير

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “سر شهرزاد”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *