طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للرحالة كاف عبد الرحمن الكواكبي

نبذة عن كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للرحالة كاف عبد الرحمن الكواكبي

الاستبداد كلمة مستبعدة ومنفية من دوائر المعارف، ومحظّر تداولها بين الناس، وممارسه يحرص على أن يبقيه مصدراً يحيط به الغموض من كل جانب حتى لا يتسنّى للناس تحقيق مقولة (اعرف عدوّك أوّلاً)، وبالتالي، حتى لا يتمكّنوا من التغلّب عليه. إن الاستبداد، فضلاً عن أنه يحاول التملّص من التحديد لابساً أثواباً تمويهية متنوعة، فإن له أشكالاً متعددة تتطور وتتبدل، مع تقدم الحياة الإنسانية، بفضل ما يوفّره له منظّروه من أساليب جديدة. فهل وصلنا إلى أفق مسدود فيما يتعلّق بمسألة الديمقراطيّة ، أم أنّ في جعبة التراث أفكاراً يمكن أن تعبر بنا إلى شواطئ الوحدة والديمقراطيّة والتقدّم ؟ وما الخطوات الآيلة إلى ذلك ؟ سؤال تتجدّد مشروعيّته في ظلّ ما يسمّى بالنظام العالمي الجديد ، والتحوّلات الكونية المتسارعة ، وواقع التجزئة القطري ، حيث لا يعترف أيّ قطر إلاّ بسيادته ، ويتغنى بحسن سياسته ، ويعبّر ـ بشكل أو بآخر ـ عن فقدان الثقة المتبادَل بين حكّام الأقطار العربية . وسؤال مهم في عتمة الخطا الحثيثة نحو انهيار الصمود العربي وتقديم سلسلة من التنازلات ، والتهافت المخجِل على المفاوضات مع إسرائيل ، تمهيداً للاعتراف الرسمي بالكيان الصهيوني في فلسطين ، وتطبيع العلاقات مع من استنـزفوا ثروات الأمة العربية وشربوا دماء أجدادنا وأبنائنا ، وكانوا حجّة الاستبداد في كلّ آن . وسؤال مربك في زمن الشعار الذي ترفعه معظم النظم العربيّة القائمة : (( إنقاذ ما يمكن إنقاذه )) لتمرير التمسّح ( بالجوخ ) الأمريكي ومصافحة من كان وما يزال أهمّ أسباب عقَدنا النفسيّة . هذا في حين يجري إغفال دور الديمقراطيّة ودور الجماهير العربيّة في التحرّك السياسي التكتيكي والاستراتيجي ، تحت إبط تراتبية هرميّة قوامها قبول الجماهير بوصاية الحكّام ، وقبول الحكّام بوصاية أمريكا ونظامها العالمي الجديد تحت ستار (( ليس بالإمكان أبدع ممـّا كان )). وتتردّى حال الأمّة من سيّء إلى أسوأ ، مع عدم الاعتراف بأنّ القطريّة قد أثبتت فشلها الذريع بجدارة لا تُحسد عليها ، ومع استمرار الصراع القومي ـ الديني بين فصائل يجمع بينها الكبت والحرمان ، ويكمن خلاصها في تفجير التعامل مع الواقع باستكانة واستسلام ، وفي شجب التعصّب على أيّ شكل جاء . من هذه المقدّمة نعبر إلى مغامرة استشفاف المستقبل التي حاولها مفكّرونا ، بناءً على فهم الواقع وفهم التاريخ ، وتأسيساً على فهم الذات وفهم الآخرين . لعلّ التراكم المعرفي يفتح لنا كوّة على مستقبل أفضل . ومن هنا تأتي أهميّة العودة إلى التراث . إنّنا نعاني من أزمة تطوّر حضاري ، ولا بدّ لنا ـ للخروج من هذه الأزمة ـ من أن نبدأ أوّلاً بوضع المعايير الصحيحة لمفاهيمنا ، بعد أن نتفحص إمكاناتنا من خلال معرفة ما نحن مؤهلون له حقّاً ، حتى لا نُحدث خلخلة بين ما نريد وما نفعل . ومن أحد مآزق الفكر العربي مشكلة التعامل مع التراث . التراث ليس مشكلة الماضي ، وإنّما هو مشكلة الحاضر الذي ننطلق منه نحو المستقبل . والعودة إلى التراث ، في زماننا العربي هذا ، ذات شجون . وبصرف النظر عن موقفنا تجاه ما نراه مظلماً أو مضيئاً فيه ، تبقى العودة متِعبة ومحزِنة حين نقف أمام من سبقونا بوجودهم، وبإبداعاتهم أيضاً . فإذا كان التراث من صنع الإنسان ونتاجاً للنشاط الإنساني في مراحل تاريخية متعاقبة ، فإنّ تفعيله هو أيضاً من صنع الإنسان ومن اختياره . وإذا كان الانتماء إلى التراث لا اختيار لنا فيه ، فإنّ تفعيله فينا وبنا هو من اختيارنا. والمشكلة التي تؤرّق قاريء التراث أرقاً مزدوجاً ، أنّه سيجد فيه كثيراً من الإجابات عن تساؤلاته ، أو أنّه سيهتدي ـ من خلاله ـ إلى كثير من الحلول لمشكلات عصره . وذلك لأنّ المجتمع العربي لم يتغيّر تغيّراً جذريّاً عمّا تركه روّاد النهضة العربيّة ، فما زالت أكثر سلبيّاته قائمة ولم نلحظ فيه من تغيّر سوى استعماله لتقنيات لم ينتجها هو ، ولم يتمكّن من استيعابها بعد . فلماذا إذن لا نركب هذا المركب الخشن لنستوعب بعض قراءاتنا ، ونوظّفها بما يخدم الإنسان ـ إنساننا المطحون حتّى العظام ، خاصّة حين ندرس عصراً أسهم بالتأثير المباشر في عصرنا ، وأنتج بعض أفكارنا ؟! من هنا تأتي أهمّيّة عبد الرّحمن الكواكبي ، وتأتي أهمّيّة كتاب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) الذي نقدّمه عسى أن نتعلّم من الماضي كي لا نلدغ من الججر مرّتين . ويأتي نشر كتاب (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ) استكمالاً لدراسة أفكاره الّتي بدأت في( أمّ القرى) الّذي حرصنا على إخراجه بما يليق. إنّنا نقدّم – هنا- مقارنةً بين طبعات مختلفة للكتاب النّفيس (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) ، ونختار النّصوص بدقّةٍ من بين ما يزيد على ثلاثين طبعةٍ مختلفة، ونحصّنها بالحواشي والتّفسيرات اللازمة ، ونعرّف بالأعلام والمعالم الوارد ذكرها في الكتاب ، ولم نتوان عن توصيف الكتاب ، وعن تقديم دراسةٍ تحليليّة وافية لطبائع الاستبداد. وأودّ الإشارة إلى أنّني سمحت لنفسي بتصويب بعض الأخطاء في بعض الآيات والأشعار ، متجاوزاً في ذلك ما قام به سواي . وإنّني إذ أنجز هذا العمل يوم صدور طابع بريدي في سورية يحمل صورة الكواكبي بمناسبة مرور مئة عام على وفاته ، أتذكّر ما عاناه الكواكبي في موطنه من قهر حرص عليه المفسدون في الأرض . وهذا يعني أنّ المفسدين يزولون ، والذي يبقى وحده هو ذلك النهج المخلص الذي يعتني به المبدعون الصادقون مع أنفسهم بعيداً عن منافع شخصية آنية موالية لزيد أو عمرو لأن كليهما سيموت ولا تبقى إلاّ الآثار التي تصنع التاريخ الذي، مهما جهد المتنفّذون في تزييفه، سيعود إلى سياقه الصحيح في خاتمة المطاف، فتمتلئ نفسي بالرّضى بالرّغم من الهمّ الكبير الّذي أعانيه . يكبر الهمّ حين ترى الوطن يذوي أمام عينيك وأنت تكتفي بالقول في حين يقوم الآخرون بفعل قهرك مستعينين عليك بذويك0 حينذاك تتجسّد الفاجعة حيث تذهب إلى العمل حاملاً همومك فيفجؤك رئيس الدائرة بقرارات عرجاء تعمل على تذكيرك دائما بأنها دائرته الخاصة وأنك وسواك تعمل في محيط خاص يملكه وراثة عن جده أو عن أبيه . عندما يكبر الهم، تصبح المجابهة أصعب، ولكنها – أيضاً – تغدو ضرورية أكثر، لأنها خلاصنا الوحيد من الذل الذي نحن فيه.

شارك الكتاب مع الآخرين

بيانات الكتاب

العنوان

طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للرحالة كاف عبد الرحمن الكواكبي

المؤلف

محمد جمال طحان

حجم الملفات

2.02 ميجا بايت

اللغة

العربية

نوع الملفات

PDF

الصفحات

189

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للرحالة كاف عبد الرحمن الكواكبي”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *