لماذا أصلي

صاحبه قال له: عجباً من أمرك ما أشد لحظك، وما أكثر انتقادك، أفعجبت أن يكون هذان الرجلان متلاصقين منكباً، متحدين كلمة، يود أحدهما لو يسكب قلبه على صاحبه، ويتمنى الآخر لو يجعل روحه في يده فدى له، أتدري من هما؟ والد وولد، والد يحن وولد يبر، أفسرتك هذه الصلة بينهما؟ قال: نعم وربي، وهل أعظم من صلة توثق القلوب وتجمع الشمل، وتقوم برهاناً على اعتراف بالفضل وشكر على النعم؟ وهل يعيش الإنسان في هذه الحياة منقطعاً عن صلة القربى والجوار والصحبة والزمالة؟ أليس اجتماعياً في فطرته وتكوينه؟ قاله له صاحبه: أراك موقناً بضرورة الصلة بين الناس على أسس من التعاطف والتعاون، والإقرار بالفضل والإحسان. قال: أجل. قال: فإن تنكر أحد للمعروف وجحد الفضل؟ قال: أو يفعل ذلك إنسان فيه مسحة من حياء أو ذرة من ضمير؟ قال: نعم…أنت. فاستشاط غضباً، وهم به، ثم تراجع وتقلص في نفسه وقال: وبم؟ قال: لأنك تنكر فضل الله عليك ونعمته. قال: وكيف ذاك؟ قال: أليس الله ذا منة وفضل؟ قال: بلى. قال: وهل يستحق الشكر على ذلك. قال: نعم. قال: وكيف يكون شكره؟ فسكت قليلاً يستشير أفكاره فلم تسعفه. قال: لا أدري، وخجل، ثم سكت لحظة وقال: دلني على الطريقة التي أؤدي شكره فيها. قال: هناك طريقتان لابد لتحقيق الشكر من وجودهما معاً: الأولى: أن تعترف له بالفضل والإحسان من أعماق قلبك لا بلسانك فحسب وتدلل على ذلك بوضع جبهتك على الأرض سجوداً له وخضوعاً. الثانية: أن تحافظ على هذه النعم فتجعلها في المواضع التي يرضاها لك. قال: كلامك حق صدق، ولك عليّ عهد الله وميثاقه أن لا أدع الصلاة ما حييت – ولكن لي صديق عزيز عليّ، شأنه في الصلاة شأني: فهل لك أن تكتب لي كلمة في هذا الموضوع أوجهها إليه؛ عسى الله تعالى أن يجعل هدايته على يديك فيصل بصلاته ما انقطع بينه وبين الله، ويكون ذلك خيراً لك من حمر النعم؟ قال: حباً وكرامة، ونعمة عين، وكتب إليه: صديق العزيز…سلام عليك، وبعد: فقد سمعت كلمة طيبة وددت أن أصوغها لك كلمات على هذا القرطاس ورجائي أن يكون لها في نفسك ما كان في نفسي والسلام. أخذ كثير من الناس في عصرنا الحاضر يهملون الصلاة ويرونها عبئاً ثقيلاً عليهم، فإذا ذكرتهم بها التمس بعضهم لنفسه عذراً بأنه مشغول الآن بأمور هامة، وادّعى بعضهم أن ثيابه غير طاهرة فلا تصح بها الصلاة، فإذا عاد إلى بيته نزعها وصلى، وهو في حقيقة الأمر كاذب، واعترف بعضهم بالتقصير وأخذ يردد كلمة الله يهدينا وهناك فئة وقحة تجاهر بالعصيان، وتبدل نعمة الله كفراً، وتحتقر الصلاة والمصلين ثم تزعم أنها مسلمة، فما لهؤلاء إذ ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم، وإذا دعوا إلى الله قالوا سمعنا وعصينا؟ (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ) [المدثر:49-50]. تعال أخي نعالج مواقف هؤلاء ونبحث عن الأسباب التي دعتهم إلى ترك الصلاة: هل الصلاة غرامة يؤديها الإنسان كما يؤدي بعض الضرائب ظلماً؟ هل الصلاة مضيعة للوقت، وليس لدى الإنسان وقت فائض عن حاجته حتى يضيعه؟ هل الصلاة مبدأ إلزامي يكره الإنسان عليه كما يكره على تقبل المبادئ السياسية في البلاد الديكتاتورية؟ هل الصلاة تقييد لحرية الإنسان المطلقة ومانعة له من ممارستها؟ هل الصلاة أمر مباح من شاء فعلة ولا ثواب له ومن شاء تركه ولا إثم عليه؟ هل الله بحاجة إلى صلاتنا؟ وأي فائدة يجنيها الإنسان من الصلاة؟ وما هي الخسارة التي تترتب عليه من تركها؟ وهل…؟ ولم…؟ أسئلة كثيرة تدور في فكر الإنسان يمليها عليه هواه وشيطانه وشهواته، فإن عجز عن الجواب أقامت الحجة عليه فاستكان وذل، وعملت عملها الخبيث في فكرة فزاغ، وزينت له سوء عمله فرآه حسناً، وصوبت له رأيه الفاسد فاستمسك به، ومدته بالمجادلات العقيمة ومنته الأماني البعيدة حتى يهوى في النار سبعين خريفاً من حيث لا يشعر، وإن هو أحسن الإجابة ودحض الشبهات وحكم العقل والمنطق أقام الحجة عليها فخرست وخنست.

رمز المنتج: bk3110 التصنيفات: , الوسم:
شارك الكتاب مع الآخرين

بيانات الكتاب

المؤلف

عبد الرؤوف الحناوي

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.

كن أول من يقيم “لماذا أصلي”

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *