العنوان |
المقامة البَصْريّة من مقامات الحريري |
---|---|
المؤلف |
القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري (ت 516 هـ/ 1222م) |
رقم المخطوطة |
1463-19 |
عدد الأسطر |
25 |
عدد الأوراق وقياساتها |
106/ ب ـ 107/ ب، الورقة 215 × 165 ـ 175 × 115 |
أوله |
المقامة الموفية للخمسين: حكَى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: أُشعِرْتُ في بعضِ الأيامِ همّاً برَحَ بي استِعارُهُ. ولاحَ عليّ شِعارُهُ. وكنتُ سمِعتُ أنّ غِشْيانَ مجالِسِ الذّكْرِ. يسر و غَوانيَ الفِكْرِ. فلمْ أرَ لإطْفاء ما بي منَ الجمْرَةِ. إلا قصْدَ الجامِعِ بالبَصرَةِ. وكانَ إذْ ذاكَ مأهولَ المسانِدِ. مَشْفوهَ المَوارِدِ. يُجْتَنى منْ رِياضِهِ أزاهيرُ الكَلامِ. ويُسمَعُ في أرْجائِهِ صَريرُ الأقْلامِ. فانطلَقْتُ إليْهِ غيرَ وانٍ. ولا لاوٍ على شانٍ. فلمّا وطِئْتُ حَصاهُ. واستَشْرَفْتُ أقْصاهُ. تَراءى لي ذو أطْمارٍ بالِيَةٍ. فوْقَ صخْرَةٍ عالِيَةٍ. وقدْ عصيَتْ بهِ عُصَبٌ لا يُحْصى عديدُهُمْ. ولا يُنادَى وَليدُهُمْ. فابتَدرتُ قصْدَهُ. وتورّدْتُ وِرْدَهُ. ورجَوْتُ أنْ أجِدَ شِفائي عندَهُ. ولمْ أزَلْ أتنقّلُ في المَراكِزِ. وأُغْضي للّاكِزِ والواكِزِ. الى أن جلسْتُ تُجاهَهُ. بحيْثُ أمِنْتُ اشْتِباهَهُ. فإذا هوَ شيخُنا السّروجيّ لا ريْبَ فيهِ. ولا لَبْسَ يُخْفيهِ. فتسرى بمَرْآهُ همّي. وارْفَضّتْ كتيبَةُ غمّي. وحينَ رآني. وبصُرَ بمكاني. قال: يا أهْلَ البصرَةِ رعاكُمُ اللهُ ووقاكُمْ. وقوّى تُقاكُمْ. فما أضْوَعَ ريّاكُمْ. وأفضلَ مَزاياكُمْ! بلَدُكُمْ أوْفَى البِلادِ طُهرَةً. وأزْكاها فِطرَةً. وأفسَحُه رُقعَةً. وأمرَعُها نُجعَةً. وأقوَمُها قِبلَةً. وأوسَعُها دِجلَةً. وأكثرُها نهْراً ونَخلَةً. وأحسَنُها تَفْصيلاً وجُملَةً. دِهْليزُ البلَدِ الحَرامِ. وقُبالَةُ البابِ والمَقامِ. وأحدُ جَناحَيِ الدّنْيا. والمِصْرُ المؤسّسُ على التّقْوى. لمْ يتدنّسْ ببُيوتِ النّيرانِ. ولا طِيفَ فيهِ بالأوْثانِ. ولا سُجِدَ على أديمِهِ لغَيرِ الرّحْمَنِ. ذو المَشاهِدِ المشْهودَةِ. والمساجِدِ المقصودَةِ. والمَعالِمِ المشْهورَةِ. والمقابِرِ المَزورَةِ. والآثارِ المحْمودَةِ…. |
آخره |
… قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فكُنتُ أوّلَ منْ أوى لبَلْواهُ. ورقّ لشَكْواهُ. فنفَحْتُهُ بدِرْهَمَينِ. وقلتُ: لا كانا ولوْ كانَ ذا مَيْنٍ! فابتهَجَ بباكُورَةِ جَناهُ. وتفاءلَ بهِما لغِناهُ. ولمْ تزَلِ الدّراهِمُ تنْهالُ عليْهِ. وتنْثالُ لديْهِ. حتى آلَ ذا عيشَةٍ خضْراء. وحَقيبةٍ بجْراء. فازْدهاهُ الفرَحُ عندَ ذلِكَ. وهنّأ نفْسَهُ بما هُنالِكَ. وقال للغُلام: هَذا ريْعٌ أنتَ بَذرُهُ. وحلَبٌ لكَ شطرُهُ. فهلُمّ نَقتَسِم. ولا نحْتَشِمْ. فتقاسَماهُ بينَهُما شقَّ الأبلُمَةِ. ونهَضا مُتّفِقَي الكَلِمَةِ. ولمّا انتظَمَ بينهُما عقْدُ الاصْطلاحِ. وهمّ الشيخُ بالرّواحِ. قُلتُ له: قدْ تبوّغَ دَمي. ونقلْتُ إليْكَ قدَمي. فهلْ لكَ أن تحْجُمَني. وتُكفْكِفَ ما دهَمَني؟ فصوّبَ طرْفَهُ وصعّد. ثمّ ازْدَلَفَ إليّ وأنشدَ: |