المؤلف |
خير الدين الزركلي |
---|
الكتاب الذي يأتي في إطار مشروع ارتياد الآفاق الساعي لتوفير مكتبة عربية لأدب الرحلة يتضمن رؤى وانطباعات الراوي العلامة خير الدين الزركلي صاحب موسوعة الأعلام في الرحلة التي قادتْه من دمشق إلى مكة قضى خلالها عشرون يومًا في الطائف وتسعون ليلة في ضيافة الملك الحسين بن علي وجولة في البادية ثم رحلته من مكة إلى هليوبوليس. إثر الاحتلال الفرنسي لدمشق، مطلع العشرينيات من القرن العشرين الميلادي، وصدور حكم بالإعدام على خير الدين الزركلي، فر الزركلي من عاصمة الأمويين دمشق لاجئًا إلى فلسطين، ومن هناك إلى مصر التي تلقَّى فيها دعوة من الحسين بن علي لزيارة الحجاز، هذا الكتاب هو يوميات تلك الرحلة من دمشق إلى مكة. الشعر هو البداية: على غرار الأسلوب المتبع في تأليف كتب الرحلة، حسبما يشير مفيد نجم الذي كتب مقدمة تحليلية لهذه الرحلة يفتتح المؤلف الكتاب بأبيات من الشعر باعتبار الشعر يمثل مرجعية لا غنى عنها للمؤلف والقارئ حيث يمثل الفضاء المشترك الذي يلتقي فيه الطرفان، من ميسلون ويوم ميسلون ينطلق الزركلي، وتحت عنوان ميلة ميسلون يبدأ شعرًا فيقول: أنا لا أشكو وبي في أمتي وبقومي كان أدلال الفخور! إنما توشك أن تبكيني غفلة القادة فينا والصدور رحماك اللهم ربي! ورأفتك بأمة أسلمت زمامها المقادير إلى زعماء خبطوا خبط عشواء. جاءت رحلة المؤلف هربًا من حكم الإعدام الذي أصدره الفرنسيون بحقِّه منذ اليوم الأول لاحتلالهم مدينة دمشق، وهنا يعرِّج سريعًا على الأوضاع في تلك الفترة مستعرضًا فظائع الجيش الفرنسي، الأمر الذي استدعى منه استقلال القطار يوم 26 يوليو 1920 متهيئًا للسفر. ورغم أن المؤلف كان قد قصد القاهرة في البداية، إلا أنه يقرر تغيير وجهته إثر تبليغ معتمد حكومة الحجاز الذي كان يزور القاهرة بدعوة الملك حسين بن علي لضيافته في الحجاز ما جعله يقرِّر استغلال الفرصة لمشاهدة الأماكن المقدسة وزيارتها. هنا وفيما يشير إلى وجود ملمح خاص لدى المؤلف في تدوين رحلته يلحظ القارئ بحث الزركلي عن كل ما هو مستطرف وغريب حتى وإن خالف من سبقوه، فعن مشاهداته في طريقه من حيفا إلى القاهرة مثلًا يقول: وليس في خبر الرحلة من حيفا إلى القاهرة ما يجدر بي أن آتي عليه، وينسحب الأمر ذاته عن انطباعاته عن القاهرة، حيث يقول انه من وجهة نظره: ليس في القاهرة ما يستطرفه القارئ فأفردَ له جانبًا من هذا الكتاب، وله أن يطلع إن شاء على ألوف المصنفات في لغة العرب وغيرها مما أشبع القول فيه بحثًا وتحقيقًا. في أبعاد تركيز المؤلف على الحجاز فإن ذلك قد يعود في جانب كبير منه إلى أن بلاد الحجاز هي هدف الرحلة وموضوعها، الأمر الذي جعل المؤلف يكتفي في بداية الرحلة بالحديث عن المحطات التي توقَّف فيها وذكر الوقائع التي جرت له دون الاعتناء بوصف المدن أو ذكر انطباعاته عنها على خلال ما نجدُه بالنسبة للحجاز. وصف بلاد الحجاز: في تناوله لرحلته في بلاد الحجاز يصف المؤلف طبيعتها وعمرانها وحياة الناس الاجتماعية فيها متقصيًا سبب تسميتها بتلك الأسماء مستعيدًا ما توفَّر له من مصادر تاريخها ماضيًا وحاضرًا وأهم معالمها ومعالم حياة ساكنيها ونشاطهم الزراعي والحيواني، إضافةً إلى أدبهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وطقوسهم وأشكال سياسة شئونهم وخلافاتهم إلى جانب عشرات التراجم التي يقدمها لأهم الشخصيات المعروفة فيها من رجال قبيلة ثقيف ونسائهم. وفي إطار وصفه للرحلة وما صادفه فيها يزود المؤلف القارئ ببعض المعارف مما شاهده فيذكر في حديثه عن منى أن فيها مذبحان كبيران تذبح فيها الضحايا في أيام منى أحدهما للإبل والبقر والثاني للضأن والماعز وفيها صهاريج تمتلئ من ماء زبيدة يسمونها البازانات مفردها بازان. ويتطرق المؤلف إلى الطرق في مكة فيذكر أنه بين الطائف ومكة عدة طرق لا يسلك منها اليوم غير طريق واحدة هي التي اجتازها في رحلته فيما قد يتم سلوك طريق ثانية تسمى اليمانية أو طريق السيل وجميع الطرق القديمة ما زالت معروفةً إلى اليوم ويمكن سلوكها، إلا أن أكثر الناس هجروها ما عدا هذين الطريقين. وأما عن الطائف وفيما يكشف عن سعي المؤلف للتوثيق يقول الزركلي: إذا جال الشاعر جولته الأولى في الطائف ورأى ما حول مدينته من ربيعٍ ونباتٍ وينابيع وجداول وفواكه أزهار وحدائق بساتين لم يشك بصدق ما يتلوه في مقدمات تواريخ الفاكهي والعجيمي الأول له كتاب بعنوان عقود اللطائف في محاسن الطائف والثاني من علماء أواخر القرن الحادي عشر. ويضيف الزركلي ولم أجد حتى الآن ما أعول عليه في تحقيق الباعث على تسمية هذه الديار بالطائف وأهل التاريخ يتناقلون أخبارًا فيها ما هو أشبه بالأوهام منه بالحقائق. وفي تتبُّعِه لمسار رحلته وحرصًا على تقديم معرفة وافية بطبيعة المكان وتاريخه وأسمائه وساكنيه يقدم لنا لمحة عن قصر الملك والتقاليد المتبعة عادة داخله في الطعام والجلوس في مجلسه والدخول على الملك من قبل الرعية وكيفية حل المنازعات بين الناس والحكم فيها. ولا يكتفي الزركلي بذلك بل يحاول أن يرسم صورة لشخصية الملك وأولاده، مبينًا أهم ما تتميز به كل شخصية من هذه الشخصيات من سمات جسدية وعقلية ونفسية عرفها من خلال قربه منهم ومعاشرته لهم سواء أثناء زمن الرحلة أو فيما بعد عندما عمل مساعدًا للأمير عبد الله عند إنشاء إمارة شرق الأردن. ومن أبرز عناوين الكتاب: من دمشق إلى مكة، عشرون يومًا في الطائف، تسعون يومًا في ضيافة الملك، جولة في البادية، أدب البادية، ومن مكة إلى هليوبوليس.
المؤلف |
خير الدين الزركلي |
---|