المؤلف |
الشيخ حسن محمد مكى العاملى |
---|
هذه النظرية علم يبحث عن حقيقة المعرفة الإنسانية وقيمتها وأدواتها، وما يرتبط بتلك من العوارض كمراحل المعرفة وحدودها وموانعها وغير ذلك، وهو من العلوم التي عكف عليها الغربيون في القرون الأخيرة، واضفوا عليه صبغة علم مستقل، وقد بحث عنها الفلاسفة الإسلاميون في مختلف فصول علمي المنطق والفلسفة، ولكنهم لم يفردوها بالبحث المستقل. كرامة العالم والمعرفة التي بها كمال الإنسان وشرافته، إنّما هي ثمرة جهود الأدوات التي جهّزه خالقه بها في ظاهره وباطنه، وهي: الحسّ والعقل، وما يتركب منهما، وبها يكتسب ما لا يعلمه إطلاقاً، أو يُخرج إلى الفعلية ما يعلمه بالقوة من الإدراكات الفطرية الأولية. وانكار واحدة من تلك الأدوات، نتيجته شلُّ الفكر الإنساني عن إدراك ما يحيط به من كون ووجود، غائب ومشهود. كما أنَّ إثباتها مع إنكار كاشفيتها أو القول بنسبيتها أو الشك فيها، نتيجته تخطئة المعارف والعلوم البشرية، وسلب الإنسان ذلك الكمال، وفي هاتين المرتبتين زلّت أقدام الكثيرين، فأنكرت جماعة أداة العقل كلية، وحصرها آخرون في بعض المدركات الفطرية، وأنكر قوم كاشفية أدوات المعرفة، وقال بعض بنسبيتها، وشك آخرون في مطابقة معطياتها للواقع. وقد كانت هذه وخزات، لا بل طعنات في صميم قلب المعرفة البشرية، فأسدل الكثيرون الستار على الغيب، وحجزوا مواهب الإنسان بين جدران ضيّقة. ولئلا نُجْمِل ونبهم، نُلمع إلى بعض المسائل: فبعد أن نذعن بأنّا ندرك حقائق وقضايا ما، كيف يمكننا أن نحكم بصدقها وخطئها؟ وبعبارة ثانية: ماهو الملاك الذي يكون به الشيء حقاً أو باطلاً؟. وبعد أن نعرف ذلك الملاك، كيف نعرف بأنّ هذه القضية العلمية أو الفلسفية المطروحة أمامنا، متصفة به؟ وما هي الوسيلة التي بها نستكشف وجود ملاك الحقيقة أو الوهم في قضية من القضايا؟.
المؤلف |
الشيخ حسن محمد مكى العاملى |
---|