المؤلف |
د.محمد زينهم محمد |
---|
نحن لا نعرف عن بدايات التأليف فى تاريخ مكة، وخاصة المؤلفات التى أفاد منها اللاحقون سوى مؤلف فى تاريخ مكة للحسن بن يسار البصرى المتوفى سنة ١١٠ ه، الذى كتب رسالة عن «فضائل مكة المشرفة» كانت فيما بعد أحد المصادر الرئيسية للفاسى المتوفى سنة ٨٣٢ ه، فى كتابه «شفاء الغرام» وفى كتابه «الزهور المقتطفة فى تاريخ مكة المشرفة». ومؤلف آخر فى تاريخ مكة لعثمان بن ساج المتوفى سنة ١٨٠ ه، ويرجح أن كتابه فى تاريخ مكة كان أحد مصادر الأزرقى المتوفى نحو سنة ٢٥٠، فى كتابه «أخبار مكة». ثم جاء أبو الوليد الأزرقى فكتب فى «أخبار مكة» وقد استقى كثيرا من معلوماته الواردة فى كتابه عن عبد الله بن عباس وتلاميذه، حيث كانت لديهم معلومات وفيرة عن مكة. ويبدو أن الأزرقى كان مولعاً بمعرفة الأخبار التاريخية وروايتها، كما أن اسمه يظهر كمصدر للمعلومات عن تاريخ مكة القديم، وكذلك فيما يتعلق بتاريخها الإسلامى وما صاحبه من أحداث. وقد استغرق ثلاثة أرباع كتابه ذكر قصص كانت قد نمت فى الجاهلية حول حرم مكة ووصف الشعائر ذات الصلة بمكة. أما الربع الباقى فيبحث فى الأماكن المقدسة الأخرى من مكة بالإضافة إلى الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومعاصريه من المكيين، وعن خطط مكة وأطرافها. وقد حظيت مرويات الأزرقى باهتمامات المؤرخين اللاحقين حتى عهد الفاسى والعهود اللاحقة. كما كتب الفاكهى مؤرخ مكة المتوفى سنة ٢٧٢ ه كتابا فى «تاريخ مكة» أشاد به الفاسى، حيث ذكر أن كتابه فى أخبار مكة حسن جداً، لكثرة ما فيه من الفوائد النفيسة، وفيه غنية عن كتاب الأزرقى، وكتاب الأزرقى لا يغنى عنه، لأنه ذكر فيه أشياء كثيرة حسنة مفيدة جدّا لم يذكرها الأزرقى، وأفاد فى المعنى الذى ذكره الأزرقى أشياء كثيرة لم يفدها الأزرقى. ولا شك أن الفاكهى دوّن فى كتابه المعلومات التاريخية التى تجمعت حتى ذلك الوقت لدى أهل طبقته عن مكة، فكتب عن تاريخها القديم قبل الإسلام على ضوء القصص والروايات التى تناقلتها الأجيال جيلا بعد جيل. وقد ظل الفاكهى لفترات طويلة تجاوزت عصره، من أبرز وجوه مكة الفكرية لدى مؤرخى مكة. وقد استفاد مؤرخو مكة اللاحقون إلى حد بعيد من كتاب الفاكهى، كما أفادت منه المؤلفات اللاحقة حتى عصر الفاسى ومن بعده. وبعد إسهامات كل من الأزرقى والفاكهى انقطع التأريخ تقريبا للحجاز منذ أواخر القرن الثالث الهجرى إلا ما يتصدق به عليه المؤرخون الطارئون تكريما للمدن المقدسة، وتعريفا بها، وإشادة بفضائلها. وقد أكد على ذلك الفاسى بعد أن ذكر فضل السبق فى تدوين تاريخ مكة لكل من الأزرقى والفاكهى، فقال: «وكانا -أى الأزرقى والفاكهى- فى المائة الثالثة، ومن عصرهما إلى تأريخه -شفاء الغرام- خمسمائة سنة ونحو أربعين سنة وأزيد، ولم يصنف بعدهما فى المعنى الذى صنفا فيه أحد… وإنى لأعجب من إهمال فضلاء مكة بعد الأزرقى للتأليف على منوال تاريخه، ومن تركهم تأليفا لتاريخ مكة يحتوى على معرفة أعيانها، من أهلهم وغيرهم، من ولاتها وأئمتها وقضاتها وخطبائها وعلمائها، كما وضع فضلاء غيرها من البلاد». وكيفما كان الأمر فقد افتتح مدرسة التاريخ فى مكة تقى الدين الفاسى، أعظم أساتذتها بآثاره الخالدة، والتى برز فيها فيما بعد: النجم عمر بن فهد المتوفى سنة ٨٨٥ ه، وعز الدين عبد العزيز بن فهد المتوفى سنة ٩٢٢ ه، وجار الله بن فهد المتوفى سنة ٩٥٤ ه، وغيرهم. والدارس لكتابات الفاسى يلحظ أنه شكل بكتاباته مدرسة تاريخية مستقلة عن غيرها من مدارس الشام ومصر، كما يلحظ أنه أدرك أهمية الأخبار المستقاة من المصادر الرئيسية ثم تتبع حوادث مكة وكتب عنها حسب مشاهداته وإحساساته وما يصله من معلومات. ويعدّ هذا الصنيع من الملامح المميزة لمدرسة التاريخ فى مكة وقتئذ، حيث اتصفت كتابة التاريخ منذ عصر الفاسى بجمع وتلخيص ما أنجزه المؤرخون السابقون، ثم كتابة ما تلا ذلك من الأحداث التاريخية. والكتاب الذى نقدمه اليوم من الكتابات التى اتسمت بتلخيص ما أنجزه المؤرخون السابقون، فهو خلاصة لكتاب أخبار مكة ولما جاء فيها من الآثار، لأبى الوليد الأزرقى (ت نحو ٢٥٠ ه). وكتاب آخر، هو: جامع الأصول فى أحاديث الرسول لمجد الدين ابن الأثير الجزرى (ت ٦٠٦ ه). وقد تناول العاقولى فى كتابه: أحوال البيت الحرام والمشاعر العظام ومدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.
المؤلف |
د.محمد زينهم محمد |
---|